المنشيّة - قيامة يومية |
أحبّ يافا أحبّ قمرها حين يمتلأ فلا يترك نفسي تنام فارغةً مغلوبةً، أحب صباحاتها السريعة المتأنّية. من لم يبك في شارع الحلوة صباحاً؟ يمرّ شارع الحلوة من قلبي.. روحي دخنة الباصات، ندى الشبابيك، لهفة امرأةٍ تقطع الشارع لتجلب الجبن والخبز...
أحب شتاء يافا، الحمامات التي لا تبرح أسلاك الكهرباء عند المطر، وأنتظر الجمعة لأتلصّص عُريها متمدّدةً على أسرّة هدوءٍ فجائيّ، رائحة صدرها المتعب يوم الجمعة، عرق يديها في الطرقات على مقاود العربات، لماذا تسير عرباتك بطيئةً يوم الجمعة؟ لماذا تتأخّر رائحة البنّ صباحاً ويطول انتشارها في الأزقّة، كم مرّةً تنتشي الركوة في حضن دفئك حتّى تبدو متعبةً مزبدّةً جميلةً هكذا في يد الفنجان؟
ويدي في يدهِ- الفنجانُ، أفكّر عن سرّ الجمال في تعبها: اُلقهوةُ- اُلْيَافَا.
في الشبّابيك سرٌّ عميقٌ قاسي الصّمت، أقلّ بصمةٍ ها هنا تكفي كي يركع لها التّاريخ.. كي، يلحس العرق عن ظهر الشّباك المنحني
التاريخ هنا حنان الكفوف حين تشقّ الشبابيك صباحاً. لمساتٌ تفتّحت ورداً في الذاكرة، من يكتب التاريخ هنا سُوى الورد على نواصي الشّبابيك، كؤوس البيرة الفارغة المليئة بنشوة الحديث ودخان السّجائر المتطاير؟
أحبّ يافا، وأخشى قيامتها اليوميّة حين تخرجني روحي وتضيع في الغروب. عند الغروب، أبحث عن روحي التي ضلّت سبيلها في الجمال. من شرب غروب يافا يعيش قيامته الأبديّة، يعي حقّاً كنه العطش.
لا تجلس القيامة إلا في القلب حين تختفي من الأفق فتشعل سيجارة وتضحك.
وليس ميناء يافا إلا سواعد اليافيين، ليست شباكهم ها هناك إلا قلوبهم وليست ضحكاتهم العالية إلا سقف الحبّ المكسور. ولليافيّات أنفة الغزلان، تكفي عيونها ليلاً يحطّ هادئاً على نفوسٍ مطمئنّة.
أحبُ يافا وقد زادتني حروفگ شوقاً لرؤيآها
ردحذفانسجمت وكلماتك ، أتمايل والحلم الجميل ،
وأرآني الآن أتراقص أمام مرافئ يافا
على ترانيمِ أمواجها الدافئة
اتلو في الأفقِ البعيد ترآنيمَ الهوى اليافاوي
لعل صغيرات الغيوم تظلني بها فينطفئ شيئاً من لهيبِ الشوقِ داخلي !
يا ابن يافا , جعلتني أعآنق حلماً طال انتظاره قد ثمل داخل قلبي وما زلت متعطشة للمزيد !